الرابع:
أن يكون المقعود عليه مقدورا على تسليمه شرعا وحسّا. فما لا يقدر على تسليمه حسّا لا يصح بيعه كا لسمك فى الماء.
وقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
"لا تشتروا السّمك فى الماء فإنه غرر"
وقد روي عن عمران بن الحصين مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.
وقد روى النهي عن ضربة الغائص، والمراد به أن يقول: من يعتاد الغوص فى البحر لغيره، ما أخرجته فى هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثّمن.
ومثله الجنين فى بطن أمه.
ويدخل فى هذا البيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محلّه، فإن اعتاد الطائر رجوعه إلى محلّه ولو ليلا لم يصح أيضا عند أكثر العلماء إلا النحل لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم نهى أن يبيع الإنسان ما ليس عنده.
ويصحّ عند الأحناف لأنه مقدور على تسليمه إلا النحل.
ويدخل فى هذا الباب عسب الفحل، وهو ماؤه، والفحل الذكر من كل حيوان فرسا، أوجملا، أوتيسا. وقد نهى عنه الرّسول صلى الله عليه وسلّم، كما رواه البخاري وغيره لأنه غير متقوِّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.
وقد ذهب الجمهور إلى تحريمه بيعا وإجارة ولا بأسا بالكرامة. وهي ما يعطى على عسب الفحل من غير اشتراط شيئ عليه.
وقيل: يجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وبه قال الحسن وابن سيرين. وهو مروي عن مالك ووجهه للشافعية والحنا بلة.
وكذلك بيع اللبن فى الضّرع، أي قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة.
قال الشوكاني:
إلا أن يبيع منه كيلا نحو أن يقول: بعت منك صاعا من حليب بقرتي.
فإنّ الحديث يدلّ على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة.
ويستثنى أيضا لبن الظئر فيجوز بيعه لموضع الحاجة.
وكذا لا يجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان فإنّه يتعذّر تسليمه لاختلاط غير المبيع بالمبيع.
فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن يباع تمر حتى يطعم أوصوف على ظهر أو لبن فى ضرع أو سمن فى اللبن" رواه الدار قطني.
والمعجوز عن تسليمه شرعا كالمرهون والموقوف فلا ينعقد بيعهما.
ويلحق بهذا التفريق بالبيع بين البهيمة وولدها لنهي الرّسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان.
ويرى بعض العلماء جواز ذلك قياسا على الذّبح، وهو الأولى.
وامّا بيع الدَّين:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز بيع الدَّين ممن عليه الدين (أي المديّن).
وأما بيعه إلى غير المدين، فقد ذهب الأحناف والحنابلة والظاهرية إلى عدم صحَّته لأن البائع لا يقدر على التسليم. ولو شرط التسليم على المدين فإنّه لا يصح أيضا لأنه شرط التسليم على غير البائع فيكون شرطا فاسدا يفسد به البيع.
الخامس:
أن يكون كلّ من المبيع والثّمن معلوما.
فإذا كانا مجهولين أو كان أحدهما مجهولا فإنّ البيع لا يصح لما فيه من غرر.
والعلم بالمبيع يكتفى فيه بالمشاهدة فى المعيّن ولو لم يعلم قدره كما فى بيع الجزاف.
أما ما كان فى الذِّمَّة فلا بد من معرفة قدره وصفته بالنسبة للمتعاقدين.
والثّمن يجب أن يكون معلوم الصفة والقدر والأجل.
أمّا بيع ما غاب عن مجلس العقد وبيع ما فى رؤيته مشقّة أو ضرر، وبيع الجزاف، فلكلّ واحد من هذه البيوع أحكام نذكرها فيما يلي:
بيع ما غاب عن مجلس التعاقد:
يجوز يبيع ما غاب عن مجلس العقد بشرط أن يوصف وصفا يؤدي إلى العلم به. ثم إن ظهر موافقا للوصف لزم البيع وإن ظهر مخالفا ثبت لمن لم يره من المتعاقدين الخيار فى أمضاء العقد أورده، يستوي فى ذلك البائع والمشتري.
روى البخاري وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من اشترى شيأ لم يره فله الخيار إذا رآه". أخرجه الدار قطني والبيهقي .
بيع ما في رؤيته مشقة أو ضرر:
وكذا يجوز يبيع المغيبات إذا وصفت أو علمت أوصا فها بالعادة والعرف. وذلك كالأطعمة المحفوظة والأدوية المعبأة فى القوارير وأنا بيب الأكسوجين وصفائح البنزين والغاز ونحو ذلك مما لا يفتح إلا عند الاستعمال لما يترتب على فتحه من ضرر أو مشقة.
ويدخل فى هذا الباب ما غيبت ثماره فى باطن الأرض مثل الجزر واللفت والبطاطس والقلقاس والبصل وما كان من هذا القبيل. فإن هذه لايمكن بيعها بإخراج المبيع دفعة واحدة لما فى ذلك من المشقة على أربابها ولا يمكن بيعها شيأ فشيأ لما فى ذلك من الحرج والعسر وربما أدى ذلك إلى فساد الأموال أوتعطيلها.
وإنما تباع عادة بواسطة التعاقد على الحقول الواسعة التى لايمكن بيع ما فيها من الزروع المغيبة إلا على حالها.
وإذا ظهر أن المبيع يختلف عن أمثاله اختلافا فاحشا يوقع الضرر بأحد المتعاقدين ثبت الخيار، فإن شاء أمضاه وإن شاء فسخه كما فى صورة ما إذا اشترى بيضا فوجده فاسدا فله الخيار فى أمساكه أورده دفعا للضرر عنه
بيع الجزاف:
الجزاف: هو الذي لا يعلم قدره على التفصيل.
وهذا النوع من البيع كان متعارفا عليه بين الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان المتبايعان يعقدان العقد على سلعة مشاهدة لايعلم مقدارها إلا بالحزر والتخمين من الخبراء وأهل المعرفة الذين يعهد فيهم صحة التقدير فقلما يخطئون فيه.
ولو قدر أن ثمة غررا فإنه يكون يسيرا يتسامح فيه عادة لقلته.
قال ابن عمر رضي الله عنه: كانوا يتبا يعون الطعام جزافا بأعلى السوق فنها هم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلبوه.
فالرسول أقرهم على بيع الجزاف ونهى عن البيع قبل النقل فقط.
قال ابن قدامة: يجوز بيع الصبرة جزافا لانعلم فيه خلافا، إذا جهل البائع والمشتري قدرها.
السادس:
أن يكون المبيع مقبوضا إن كان قد استفاده بمعاوضة.
وفى هذا تفصيل نذكره فيما يلي:
يجوز بيع الميراث والوصية والوديعة وما لم يكن الملك حاصلا فيه بمعاوضة قبل القبض وبعده.
وكذلك يجوز لمن اشترى شيأ أن يبيعه أو يهبه أو يتصرف فيه التصرفات المشروعة بعد قبضه. أما إذا لم يكن قبضه فإنه يصح له التصرف فيه بكل نوع من أنواع التصرفات المشروعة ماعدا التصرف بالبيع.
أما صحة التصرف فيما عدا البيع فلأن المشتري ملك المبيع بمجرد العقد، ومن حقه أن يتصرف فى ملكه كما يشاء.
قال ابن عمر: مضت السنة أن ما أدركته الصفة حبا مجموعا فهو من مال المشتري. رواه البخاري.
أما التصرف بالبيع قبل القبض فإنه لا يجوز، إذ يحتمل أن يكون ملك عند البائع الأول فيكون بيع غرر، وبيع الغرر غير صحيح سواء أكان عقارا أم منقولا، وسواء أكان مقدرا أم جزافا. لما رواه أحمد والبيهقي وابن حبان بإسناد حسن أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال: "إذا اشتريت شيأ فلا تبعه حتىتقبضه
Sedang diterjemahkan, harap tunggu..