RASULULLAHلما انتقل الرسول ﷺ إلى ال

RASULULLAH
لما انتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى، وحان وقت الصلاة قام بلال رضي الله عنه يؤذن في الناس، فلما وصل إلى قوله: ((أشهد أن محمدا رسول الله)). خنقته العبرات .. واحتبس صوته. ثم أذّن بعد ذلك ثلاثة أيام، فكان كلما وصل إلى قوله: ((أشهد أن محمدا رسول الله)) بكى وأبكى .. فطلب بلال من أبي بكر رضي الله عنه أن يعفيه من الأذان، وأن يأذن له في الخروج إلى الجهاد، والمرابطة في بلاد الشام، فتردد الصديق أبو بكر رضي الله عنه.
فقال له بلال: إن كنت اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت قد أعتقتني لله فخلّني لمن أعتقتني له. فقال له أبو بكر: ما أعتقتك إلا لله، وأذن له في ترك الأذان والخروج إلى الجهاد.
الناس لهم مشارب مختلفة وميول متباينة، لذلك لا يمكن أن نطبع الناس بطابع واحد، بل لا بد من مراعاة الفروق بين الأفراد ومن هنا تأتي فكرة الخصوصية للإنسان في آرائه الخاصة في حدود وإطار: لا ضرر ولا ضرار. ولقد نهى الإسلام عن كل ما ينال أة يعتدي على خصوصية الإنسان.
والموقف موضوع الحديث يعالج فكرة الخصوصية النفسية للإنسان، فنجد سيدنا بلالا رضي الله عنه حين فاضت مشاعره، لم يستطع أن يغالبها أو أن يتحكم فيها، فغلبته مشاعره وهو يؤذن بعد وفاة النبي ﷺ، فبكى واحتبس صوته. فلما تكرر منه ذلك، ولم يعد يحتمل الأذان في غياب رسول اللهﷺ استأذن أبا بكر رضي الله عنه في أن يترك المدينة وينضم لإخوانه المجاهدين في سبيل الله والمرابطين في الشام.
ولقد رأى الصديق أبو بكر رضي الله عنه برحابة نفسه وقوة روحه أن يستبقى بلالا ليرفع الأذان كما كان يرفعه على عهد رسول اللهﷺ ، وهذه طاقة خاصة لأبي بكر، ومن كأبي بكر رضي الله عنه في طاقته الخاصة، التي لم تُتَح لكثيرين؟! ألم يأت بكل ماله مرات ومرات لرسول اللهﷺ كي ينفقه في سبيل الله ألم يقف في لحظة الحزن الشديد عندما أعلن خبر وفاة رسول اللهﷺ وقد اضطربت مشاعر المسلمين، حتى إن عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه، أمسك بالسيف، وقال: من قال إن محمدا قد مات قطعت عنقه، فقام الصديق أبو بكر بثبات، وتلا قول الله تعالى:
((((( (((((((( (((( ((((((( (((( (((((( ((( (((((((( ((((((((( ( ((((((((( ((((( (((( (((((( ((((((((((((( (((((( ((((((((((((( ( ((((( ((((((((( (((((( (((((((((( ((((( (((((( (((( ((((((( ( ((((((((((( (((( ((((((((((((( (((((
فهذا هو أبو بكر رضي الله عنه في همته وثباته، في حين أن بلالا رضي الله عنه تغلبه مشاعر فياضة في حب رسول الله ﷺ، فلم يستطع أن يسلك مسلك أبي بكر رضي الله عنه.ولما كان أبو بكر رضي الله عنه له سبق فضل على بلال رضي الله عنه لما أعتقه من الرق، وقع في نفس بلال أنه لا يستطيع أن يرد كلام أبي بكر بسبب هذا الفضل السابق لأبي بكر على بلال. إن بلالا يحس بضغط أدبي، بسبب فضل أبي بكر السابق عليه في عتقه. فواجه بلالٌ نفسه ليحسم الأمر على نفسه، وقال لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه: إن كنت قد اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت أعتقتني لله فخلّني لله. وهنا أوضح أبو بكر لسيدنا بلال بأنه أعتقه لله، وأذن له في الخروج من المدينة إلى المجاهدين والمرابطين في الشام رعاية لخصوصية مشاعر بلال رضي الله عنه.
وهذا درس قيِّم يعلمنا أدبا من آداب الإسلام السامية، وهو مراعاة خصوصية الغير في مشاعره، وفي اختياراته في حدود: لا ضرر ولا ضرار.
اللهم أدبنا بأدب سيدنا رسول الله ﷺوخلّقنا بخلقه. يا رب العالمين.